مقولة شعرية للإمام الشافعي رحمه الله

نعيب زماننا و العيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية وعلاقتها بتطبيق ظهير 24.5.1955

النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية وعلاقتها بتطبيق ظهير 24.5.1955


تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية .1 ويعرف بعض الفقهاء الأصل التجاري بأنه مجموعة من الأموال المعنوية و المادية تكون للتاجر وحدة قانونية مستقلة معدة للاستغلال التجاري2. وتبعا لذلك يتكون الأصل التجاري من عناصر معنوية كالزبائن ومن عناصر مادية كالبضائع و التجهيزات3. لذلك يكتسي الأصل التجاري أهمية بالغة للحياة التجارية، فهو الذي يمكن التاجر و المقاولة من ممارسة النشاط التجاري، لذلك يعتبر منح الاختصاص للمحاكم التجارية للبت في النزاعات المتعلقة بالأصل التجاري ضمانة هامة للتجار.

لهذا يثار التساؤل حول المقصود بالنزاعات المتعلقة بالأصول التجارية؟

هل يقصد بها النزاعات ذات العلاقة بالعقود المتعلقة بالأصل التجاري كعقد بيع الأصل التجاري أو رهنه أو تقديمه حصة في شركة أو التسيير الحر للأصل التجاري؟ أي النزاعات الناتجة عن تطبيق مقتضيات القسم الثاني من الكتاب الثاني من مدونة التجارة. أم إنه من الممكن إقحام النزاعات الناتجة عن تطبيق ظهير 24 ماي 1955 المتعلق بكراء الأملاك و الأماكن المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف ضمن هذا الاختصاص4. ؟ مع العلم إنه جاء في الفصل الأول من نفس الظهير إنه " يطبق على عقود كراء الأملاك و الأماكن التي يستغل فيها أصل تجاري سواء كان هذا الأصل يعود إلى تاجر أو صانع أو رب حرفة".

وتبعا لذلك سيكون تصميم هذا الموضوع على النحو التالي:

الفصل الأول: الأصل التجاري و العناصر المكونة له:

المبحث الأول: تعريف الأصل التجاري وتحديد طبيعته القانونية:

المطلب الأول: ماهية الأصل التجاري:

المطلب الثاني: عناصر الأصل التجاري:

المبحث الثاني: مجال اختصاص المحاكم التجارية في نزاعات الأصل التجاري:

الفصل الثاني: دعاوى الاكرية التجارية:

المبحث الأول: الاتجاه الرافض لاختصاص المحاكم التجارية:

المبحث الثاني: الاتجاه المؤيد لاختصاص المحاكم التجارية:

المبحث الثالث: الاتجاه المبرر لازدواجية الاختصاص:

الفصل الأول: الأصل التجاري و العناصر المكونة له:

المبحث الأول: تعريف الأصل التجاري وتحديد طبيعته القانونية:

المطلب الأول: ماهية الأصل التجاري:

* الفقرة الأولى: تعريف الأصل التجاري: على خلاف اغلب التشريعات كالتشريع الفرنسي و المصري عرف المشرع المغربي الأصل التجاري في المادة 79 من مدونة التجارة بأن" الأصل التجاري مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية"5. إلا إنه لا يفهم من هذا التعريف إن المشرع قد حصر الأصل التجاري في ممارسة النشاط التجاري وحده، مستبعدا بذلك بقية الأنشطة الاقتصادية الأخرى، بل قصد به بصفة عامة ممارسة أي نشاط من الأنشطة التي يكتسب ممارستها صفة تاجر6. لذلك فالأصل التجاري يعتبر مالا منقولا حتى لو باشر المالك تجارته في عقار يملكه، ويترتب عن ذلك أيضا عدم خضوعه لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. لأنها تطبق على المنقولات المادية فقط، فما هي الطبيعة القانونية للأصل التجاري؟

* الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للأصل التجاري: اختلف الفقه في تحديد الطبيعة القانونية للأصل التجاري وخاصة تحديد ما إذا كأن يشكل مالا مستقلا أو وحدة قانونية أو واقعية.

الأصل التجاري مال منقول يتكون من مجموع أموال منقولة: ظهرت نظريتان تؤصل إحداهما على أساس الواقع بينما تؤصل الثانية على أساس القانون.: - نظرية المجموعة القانونية مفادها إن الأصل التجاري شيء منفرد له ذاتيته الخاصة لذلك يشكل وحدة أو مجموعة قانونية مرصودة مالية خاصة مستقلة عن ذمة التجار. عكس ما يذهب إليه الفقه اللاتيني و المشرع المغربي اللذان يرون إن الأصل التجاري لا يشكل وحدة قانونية وذمة مالية مستقلة عن شخص التاجر وبالتالي يعتمدان وحدة الذمة المالية. أما نظرية المجموعة الواقعية: مفادها إن الأصل التجاري مجرد تجمع للأموال تربط فيما بينها غاية معينة هي الاتجار7.

* الفقرة الثالثة: الأصل التجاري منقول معنوي"م 79": رغم احتواء الأصل التجاري على عناصر تختلف من حيث الطبيعة: عناصر مادية وعناصر معنوية، فإن معظم الفقهاء اتفقوا على اعتبار الأصل التجاري مال منقول معنوي" م 79".

المطلب الثاني:عناصر الأصل التجاري:

يشمل الأصل التجاري مجموعة عناصر معنوية وأخرى مادية. وهذه المجموعة غير قابلة للتجزئة، وإن تجزأت فإنها تفقد وصف الأصل التجاري8 وقد حدد المشرع المغربي في المادة 80 من مدونة التجارة العناصر الجوهرية للأصل التجاري.

* الفقرة الأولى: العناصر المادية: فالعناصر المادية هي : 1- البضائع وهي السلع المعدة للبيع 2-وبعض الآلات الصناعية التي يستعين بها التاجر أو الصانع في أداء وظيفته كسيارة النقل وتجهيزات المقهى وآلات المعمل وغيرها. 3-تجهيزات الأصل التجاري من الأثاث والمفروشات التي يستعملها التاجر لتجهيز مكتبه وصالة الاستقبال: كالمقاعد و الطاولات و الهاتف لآلة الكاتبة... وتشكل تجهيزات المتجر وأدواته رأس المال المتحرك القابل للتحويل و التجديد9.

* الفقرة الثانية: العناصر المعنوية وهي على نوعين:

1- العناصر المعنوية العادية: وتلعب دورا مهما في تحديد القيمة المالية للأصل التجاري وهي:

1.1- الزبناء: وهو أهم عنصر معنوي في الأصل التجاري ويقصد بالزبناء الأشخاص الذين يتكون منهم رواد الأصل التجاري الذين اعتادوا إن يؤموه لقضاء حاجياتهم. كما إن عنصر الزبناء يرتبط بالأصل التجاري وينجذب إليه بفضل الخصائص التي يمتاز بها و التي تتكون في مجموعها: السمعة التجارية للمحل التي هي وليدة موقعه ونوعية الخدمات التي يقدمها10.

1.2- الاسم التجاري أو العنوان التجاري: يطلق كل تاجر اسما خاصا على أصله التجاري قصد التعريف به في الوسط التجاري وبين زبنائه، ونقصد بهذا الاسم ذلك الذي يظهر عادة على واجهة المتجر وفي مطبوعات التاجر بحيث يكون عنوانه التجاري ويمضي به التاجر كافة معاملاته مع الغير، كما تجدر الإشارة هنا إلى إن التاجر يملك اسمه التجاري أو عنوانه بمجرد تسجيله في السجل التجاري11.

1.3- الشعار: الشعار التجاري هو الذي يميز الأصل التجاري عن غيره لذلك فهو يختلف عن الاسم التجاري من حيث إنه يجب إن يكون مبتكرا ولا صلة له بالاسم المدني للتاجر عكس الاسم التجاري الذي يرجع أصله عادة إلى اسم التاجر المدني، ويظهر الشعار على مطبوعات التاجر وبضائعه. كما إن الأسبقية في الاستعمال هي التي تعطي للتاجر الحق في ملكية الشعار، ويمكن للتاجر إن يتصرف في شعاره باستقلال عن عن الأصل التجاري وذلك بخلاف الحال بالنسبة للاسم التجاري12.

1.4- حقوق الملكية الصناعية و التجارية:

+ براءة الاختراع: يقصد بها تلك الشهادة التي تمنحها لمن اخترع اختراعا جديدا يتعلق بمنتوج جديد أو اكتشافه لطريقة جديدة للحصول على إنتاج قديم13. ويخول الاختراع لصاحبه الحق في استغلاله لمدة عشرين سنة وبعد ذلك يصبح ملكا مشاعا14.

+ الرسوم و النماذج الصناعية: يقصد بها تلك المبتكرات التي تتسم بالطابع الغني تعطي للمنتجات الصناعية رونقا وجمالا. فالرسم مجرد مخطوط أما النموذج فهو جسم له حجم معين، كقالب الأحذية وأوعية العطور و المشروعات وغيرها. والرسوم و النماذج تمنح لصاحبها الحق في استغلالها وبيعها شرط إن يكون قد وقع إيداعها على الشكل المتطلب قانونا في مكتب حماية الملكية الصناعية و الفنية15.

+ العلامات الفارقة أو علامات الصنع: توضع على بضاعة التاجر تمييزا لها عن غيرها من البضاعات المنافسة لها. وقد تكون علامة الصنع عبارة عن اسم مميز أو رمز أو إشارة أو دمغة أو طابع أو نقش أو حروف أو أرقام... وكل العلامات الأخرى التي تميز منتوج مصنع معين أو استغلال زراعي أو غابوي أو استخراجي أو مواد تجارية16. غير إنه يمكن إثبات ملكية العلامة الفارقة بإثبات أولوية استعمالها، وفي هذه الحالة لا يقبل الإثبات إلا بالوسائل الكتابية17.

1.5- حق الكراء: حق معنوي قابل للتصرف فيه بالبيع ضمن عناصر الحق التجاري أو بصفة منفردة إذ ينص الفصل 37 من ظ 24 مايو على إنه" تكون الاتفاقات باطلة مهما كانت صيغتها إذا كان القصد منها منع مكتر توافرت فيه الشروط من التخلي عن عقد الكراء للغير". أما الكراء من الباطن فإن الفصل 22 يمنعه ما لم يتضمن العقد شرطا يقضي بجوازه أو يوافق المكري على ذلك كتابة.

2- العناصر المستثناة من الأصل التجاري: 1- الديون و القروض 2- الدفاتر التجارية وغيرها من المستندات الحسابية 3- العقود و الصفقات 4- العقارات.

فالأصل التجاري لا يتكون إلا بعد اكتساب المؤسسة التجارية لعدد كبير من الزبناء بفضل سمعتها التجارية وهو ما يتطلب مرور بعض الوقت بعد الافتتاح18.



المبحث الثاني: مجال اختصاص المحاكم التجارية في نزاعات الأصل التجاري:

تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية19. تثير صياغة البند الخامس من المادة الخامسة التساؤل حول المقصود باختصاص المحاكم التجارية في النزاعات المتعلقة بالأصل التجاري. فهل يقصد بهذه النزاعات تلك التي تهم العقود و التصرفات التي نظمها المشرع تحت عنوان الأصل التجاري، وخاصة القسم الثاني من الكتاب الثاني المنظم للعقود المتعلقة بالأصل التجاري ؟ أم إنها تتجاوز ذلك إلى نزاعات أخرى يمكن إن تنصب على الأصل التجاري؟20

فالعقود المتعلقة بالأصل التجاري هي: بيع أو رهن الأصل التجاري أو تقديمه حصة في شركة أو التسيير الحر ( كراء الأصل التجاري). حيث نظم المشرع لأول مرة كل من عقد التسيير الحر للأصل التجاري ( المواد152 إلى 158 من نفس المدونة). الذي كان يخضع قبل ذلك للمبادئ العامة للكراء في قانون الالتزامات و العقود . وتقديم الأصل التجاري حصة في شركة كما قام المشرع بتجميع العقود المتعلقة بالتصرف في الأصل التجاري حيث أعاد تنظيم بعض العقود من جديد وهي بيع ورهن الأصل التجاري( المواد 81-103 إلى 151 من مدونة التجارة). و التي كان يطبق عليها ظهير 31.12.1914.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن محكمة الاستئناف التجارية بفاس صرحت بأن " المشرع....قد عقد الاختصاص للمحاكم التجارية بما فيها من بيع ورهن أو تسيير حر ". " سواء كان الأصل التجاري موجودا أو منازعا فيه" ولو كان الطرف المدعي مدنيا ما دام طلبه انصب على إبطال عقد بيع أصل تجاري مخول الاختصاص فيه وبنص القانون القانون للمحاكم التجارية وحدها"21. لكن مع ذلك تبقى إشكالية اختصاص المحاكم التجارية للنظر في بعض النزاعات الناتجة عن تنفيذ العقود المتعلقة بالأصل التجاري قائمة خاصة في الحالة التي يكون فيها النزاع ذا طبيعة مدنية بالنسبة لأحد طرفيه.

فبيع الأصل التجاري من طرف شخص لا يستغل هذا الأصل أو لم يعد يستغله، وكذا التصرفات الهادفة إلى خلق أصل تجاري و التي يقوم بها غير التاجر من الصعب وصفها بالعقود أو الأعمال التجارية22.

الفصل الثاني: دعاوى الأكرية التجارية:

نظم المشرع المغربي موضوع الاكرية التجارية بمقتضى ظهير 24 ماي 1955 لذلك يثار التساؤل التالي أثناء تطبيق هذا الظهير، هل يرجع الاختصاص للمحاكم التجارية المحدثة أم يبقى الاختصاص بيد المحكمة الابتدائية، ورئيسها بصفته قاضيا للصلح؟ وللإجابة على هذا التساؤل انقسم المهتمون في الوسط الفقهي و القضائي إلى 3 اتجاهات يرى الاتجاه الأول: أن المحاكم التجارية ليست مختصة بالبت في هذه الدعاوى اعتمادا على المصدر التاريخي عكس الاتجاه الثاني الذي يؤيد الرأي القائل باختصاص المحاكم التجارية بالبت في هذه الدعاوى اعتمادا على المادة 5 من قانون مدونة التجارة. و الرأي الثالث يرى أن هناك ازدواجية في الاختصاص فتارة يكون للمحاكم الابتدائية وتارة يكون للمحاكم التجارية بحسب صفة طرفي النزاع.

المبحث الأول: الاتجاه الرافض لاختصاص المحاكم التجارية:

يستند أنصار هذا الاتجاه الرافض لاختصاص المحاكم التجارية على المصدر التاريخي للتشريع المغربي أي التشريع الفرنسي الذي يتبين منه إن عقد كراء المحلات التجارية أو الصناعية أو الحرفية يخضع في تجديده لمرسوم 30 شتنبر 1953 الذي منح الاختصاص في المنازعات التي تتعلق بتطبيقه للمحكمة المدنية أي المحكمة الابتدائية، فاختصاصها من النظام العام تثيره المحكمة من تلقاء نفسها.

كذلك فالاختصاص العام للمحاكم المدنية فيما يخص الاكرية التجارية ينفي اختصاص المحاكم التجارية التي لا تعتبر مختصة بمنازعات الكراء ولو كان تجاريا نظرا للطابع المدني لعقد الكراء23. وقد أيدت محكمة الاستئناف التجارية بفاس هذا الاتجاه في عدة قرارات أصدرتها في الموضوع حيث أكدت في قرار لاحق إن:" المشرع بمقتضى قانون95.53 لم ينزع الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الابتدائية بمقتضى قوانين خاصة ومنها مقتضيات ظهير 24.5.1955 و المحاكم التجارية محاكم استثنائية لا يمكن التوسع في الاختصاصات المستندة لها، لأن المشرع ضيق هذه الاختصاصات وجعلها في إطار محدود ولفائدة أشخاص معينين ولأغراض خاصة وبناء على نصوص واردة بمدونة التجارة"24. كما إن نفس المحكمة سارت في نفس الاتجاه في وقت لاحق وأكدت في احد القرارات الصادرة عنها إن:" النزاعات التجارية المتعلقة بالأصول التجارية محصورة في بيع الأصل التجاري أو رهن أو تقديمه على وجه التسيير الحر أو حصة في شركة وليس منها طلب التعويض عن عدم استرجاع المحل المكتري وبالتالي فإن المحكمة التجارية غير مختصة نوعيا للبت في الطلبات المدنية الصرفة"25.

ويعتقد بعض الفقهاء26 إن هذه الأحكام جاءت موافقة لبعض الاجتهادات السابقة للمحاكم المغربية في زمن ماض لم تكن فيه للتمييز بين العقود المدنية والعقود التجارية أهمية من حيث الاختصاص القضائي مستدلين على ذلك بحكم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الذي يرجع تاريخه إلى 29 نونبر 1949 بقولها" إن كراء الأماكن أو المحلات لا يعتبر عملا تجاريا سواء بالنسبة للمكري أو بالنسبة للمكتري ولو كانا تاجرين ما دام الكراء لا يتعلق بأعمالهما التجارية"27.

المبحث الثاني:الاتجاه المؤيد لاختصاص المحاكم التجارية:

يرى القائلون بهذا الاتجاه 28 بأن عبارة الأصول التجارية الواردة في المادة 5 الفقرة 5 غير محددة بالإضافة إلى أن المشرع لو أراد حصر هذه النزاعات في العقود و التصرفات التي تتعلق بالأصل التجاري بجميع عناصره لاستعمل عبارة المنصبة بدلا من المتعلقة بالأصول التجارية29. وتبعا لذلك يرى البحثين المؤيدين لهذا الاتجاه إن الغاية من تنصيص المشرع على المحاكم التجارية تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالأصل التجاري منه عدم حصر اختصاصها في العقود المتعلقة بالأصل التجاري كتقديم الأصل التجاري حصة في الشركة وبيع ورهن وتسيير حر بل يمتد ليشمل كل النزاعات المتعلقة بهذا الأصل كما في حالة التعويض عنه المنصوص عليه في ظهير 24/5/1955.

لذلك فالظهائر الخاصة التي تنظم العمل التجاري لا تعني بالضرورة عدم خضوعها لاختصاص المحاكم التجارية كظهير 24/5/1955 لذلك فدعوى الصلح( ف 27 من ظهير 24/5/1955) و الشرط الفاسخ( ف 26 من نفس الظهير) يتعلق بعقد الكراء التجاري الذي يدخل في مفهوم المادة التجارية التي يرجع الاختصاص بها لرئيس المحكمة طبقا للمادة 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية30. وقد تبنت هذا المفهوم الواسع للاختصاص الذي يمتد ليشمل كل ما يتعلق بالأصل التجاري وعناصره محكمة الاستئناف بمراكش محاولة منها لتفسير مقتضيات الفقرة 5 من المادة 5 بأن لفظة النزاعات الواردة في الفقرة المذكورة جاءت شاملة لجميع النزاعات سواء تعلق الأمر بالعقود المنصبة على الأصل التجاري أو المنازعات الرامية إلى رفض أو تجديد العقود في إطار ظهير 24/5/1955 أو غيرها من المنازعات الأخرى وسواء تعلق الأمر بنزاع حول الأصل التجاري برمته أو احد عناصره، إذ إن مناط اختصاص المحاكم التجارية هو وجود نزاع يتعلق بالأصل التجاري بصرف النظر عن كون العقد مدني أو تجاري.

وحيث إنه تبعا لما ذكر فإن المحكمة التجارية طبقا للمادة الخامسة الفقرة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية تبقى هي المختصة للبت في القضية الشيء الذي يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه و الحكم الجديد باختصاص المحكمة التجارية بمراكش للبت في القضية31. ويرى بعض الفقهاء إن نية المشرع عندما منح الاختصاص فيما يتعلق بمنازعات الأصول التجارية اقتصرت فقط على العقود المتعلقة بالأصل التجاري المشار إليها في مدونة التجارة ولم يقصد بها المشرع إدخال منازعات الاكرية التجارية. مستندين في ذلك على إن المشرع لم ينظم الاكرية التجارية في مدونة التجارة مما يبين إن المشرع أبقى على الاختصاص المدني لمنازعات الاكرية التجارية32. لذلك يعارض هؤلاء الفقهاء ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في قرارها أعلاه. وقد سارت الغرفة التجارية بالمجلس الأعلى في نفس الاتجاه.33

المبحث الثالث: الاتجاه المبرر لازدواجية الاختصاص:

يعتمد أصحاب هذا الاتجاه على صفة طرفي النزاع وطبيعة الكراء التجاري بالنسبة لكل واحد منها كمعيار لتحديد المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات ذات العلاقة بالكراء التجاري. فإذا كان المكري و المكتري تاجرين فالاختصاص يكون للمحاكم التجارية لذلك فالعقد في هذه الحالة عقدا تجاريا. أما إذا كان المكري غير تاجر و المكتري تاجرا تكون المحكمة الابتدائية هي المختصة لأن العقد في هذه الحالة عقد مختلط ما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية35. وقد أيدت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء هذا الاتجاه في قراراتها إذ اعتبرت:" إن عقود كراء المحلات التجارية المنظمة بمقتضى ظهير 24/5/1955 لا تعد عقودا تجارية بطبيعتها إلا إذا أبرمت بين تاجرين وفي هذه الحالة ينعقد الاختصاص للبت في النزاعات المتعلقة بشأنها للمحاكم التجارية استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية، أما إذا أبرمت بين مكتري تاجر ومكري غير تاجر فنكون في هذه الحالة أمام عقد مختلط باعتباره تجاريا بالنسبة للأول و لو تعلق بالأعمال الأولية و التحضيرية لممارسة أعماله التجارية ومدنيا بالنسبة للثاني على أساس أن عقد كراء العقار يعد عملا مدنيا، وتبعا لذلك لا ينعقد الاختصاص للمحاكم التجارية في هذه الحالة إلا باتفاق الأطراف طبقا للفقرة ما قبل الأخيرة من المادة الخامسة من نفس القانون36

ويبدو إن هذا الاتجاه هو اقرب إلى الصواب لأن عقد الكراء المنصب على محل التجارة عقد مدني بالنسبة لمالك الرقبة، وبالتالي يبقى لهذا الجانب اللجوء إلى المحكمة الابتدائية أو المحكمة التجارية سواء تعلق الأمر بتطبيق مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 أو ظهير 5 يناير 1953 37

خاتمة

تختلف المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية بشأن تطبيق مقتضيات ظهير 24/5/1955 حيث أصبح الاختصاص بتطبيق هذا الظهير بالنسبة لبعض المحاكم التجارية وسيلة لإثبات وجودها وحضورها حتى ولو لم يوجد سند قانوني صريح لاختصاصها والأخرى أخذت تستبعد اختصاصها مطلقا بهذا الشأن لتخفيف كاهلها من كم هائل من القضايا، وبين هذا وذاك فإن التشريع غائب، إذ المطلوب أن يقوم المشرع بتحديد مضمون النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية بدل اقتضابه أو عموميته 38. كما سيترتب على تضارب الاجتهاد القضائي ضياع للحقوق الشيء الذي أدى بالمتقاضين إلى رفع دعاوى متزامنة في نفس الوقت أمام المحاكم التجارية و أمام المحاكم الابتدائية حتى لا يفوتهم الآجال الواردة في الفصلين 27 و 32 من ظهير ماي1955.

ومما يزيد الأمور تعقيدا إن بعض المحاكم التجارية عند التصريح بعدم اختصاصها النوعي لا تقرر إحالة الملف على المحكمة الابتدائية التي ترى إنها مختصة لذلك على المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية إيجاد حل مشترك لإشكالية تطبيق ظهير 24 ماي 1955.

----------------------------------------

الهوامش:

1- البند الخامس من المادة 5 من مدونة التجارة.

2-علي العبيدي: القانون التجاري المغربي، مطبعة الأمنية الرباط 1966.

3- المادة 79 و 80 من مدونة التجارة.

4- ذ محمد المجدوبي الإدريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999 ص 128.

5- المادة 79 من مدونة التجارة.

6-ذ عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004 ص87. أنظر أيضا ذ عبد العزيز توفيق: عناصر الأصل التجاري مقال منشور بمجلة المحامون ع6 س 1988 ص 67.

7-محمد نخلي: الوجيز في القانون التجاري.

8- محمود مختار احمد بربري: قانون المعاملات التجارية –ج1- الأعمال التجارية و التاجر. الشركات التجارية شركات القطاع العام و الخاص الأموال التجارية- دار الفكر العربي.1987 ص 724.

9- الحماية القانونية للكراء التجاري: دراسة نظرية تطبيقية للنصوص على ضوء قرارات المجلس الأعلى-ط3-1988- ص200.

10- محمد المجدوبي الإدريسي، نفس المرجع السابق ص 200.

11- محمد المجدوبي الإدريسي، نفس المرجع السابق ص 200.

12-محمد المجدوبي الإدريسي، نفس المرجع السابق ص 201.

13-الفصل 24 من ظ 23 يونيو1916.

14-الفصل 26 من ظ 23يونيو 1916

15-محمد المجدوبي الإدريسي، نفس المرجع السابق ص201.

16-الفصل 73 من ظ 13/6/1916.

17-الفصل 81 من نفس الظهير أعلاه.

18- فؤاد معلال- شرح القانون التجاري المغربي الجديد-ط1-1999-ص155.

19- البند الخامس من المادة الخامسة من مدونة التجارة.

20- عبد السلام زوير- المرجع السابق.

21- قرار عدد 240 صادر بتاريخ 14/12/1998 في الملف رقم 340/98 منشور بمجلة المعيار العدد 24 أكتوبر 1999 ص 173-181.

22- ذ محمد المجدوبي الإدريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.

23- ذ محمد المجدوبي الإدريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.

24- قرار رقم 98/58 بتاريخ 14/9/1998 في ملف عدد 98/98 منشور بمجلة المنتدى ع1- مرجع سابق ص 225. وراجع أيضا في نفس الاتجاه وبناء على نفس الحيثيات القرار رقم 98/227 بتاريخ 21/12/1998 في الملف ع 339/98 منشور بمجلة المنتدى ع1- مرجع سابق ص 230.

25- قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 72 بتاريخ 8/2/1999 في الملف ع 62/98 منشور بمجلة المعيار ع 24 أكتوبر 1999 ص 204-211.

26- ذ محمد المجدوبي الإدريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.ص137.

27- ذ محمد المجدوبي الإدريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.ص 138. منشور بمجلة المحاكم المغربية بتاريخ 25/2/1955 ص30. واشر إليه أيضا محمد الكشبور الراء المدني و الكراء التجاري ص9.

28- عبد اللطيف تيجاني: هل تختص المحاكم التجارية بالنظر في الدعاوى الخاصة بالكراء التجاري؟ مقال منشور بجريدة العلم ليوم 16 غشت 1997 عدد17277.

29- ذ عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004. ص93.

30-محمد المجدوبي الإدريسي الرجع السابق ص 138.

31-قرار رقم 98/105 بتاريخ 21/10/1998 في الملف 98/107 منشور بمجلة المحامي ع 34 ص198.

32- محمد المجدوبي الإدريسي المرجع السابق ص140.

33- قرار عدد 2248 بتاريخ 14/11/2001 في الملف ع 00/2227 غير منشور.

34- احمد شكري السباعي.قراء في مدونة التجارة المغربية-جريدة العلم ليوم 6/1/1998 ع 17420. محمد لفروجي مدى اعتبار المحكمة التجارية مختصة وحدها بالنظر في الدعوى المتعلقة بالكراء التجاري –مجلة الإشعاع ع 2301.

35- عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004. ص96.

36- قرار رقم 98/162 بتاريخ 8/10/1998 في الملف 9/98/269 منشور لدى محمد المجدوبي الإدريسي المرجع السابق ص 189-192 .

37- عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004. ص97. راجع في نفس الاتجاه قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 99/181 في الملف عدد 99/7/134 ذكر محمد الفروجي في المرجع السابق.ص26.

38- محمد المجدوبي الإدريسي المرجع السابق ص145